خطبة بعنوان: “توحيد الصفوف نحو خلق الشهامة وإغاثة الملهوف”، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 6 من جمادي الأولى 1438هـ – 3 فبراير 2017م
خطبة بعنوان: “توحيد الصفوف نحو خلق الشهامة وإغاثة الملهوف”، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 6 من جمادي الأولى 1438هـ – 3 فبراير 2017م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: دعوة الإسلام إلى الشهامة والرجولة والنخوة
العنصر الثاني: فضل إغاثة الملهوف وقضاء الحوائج
العنصر الثالث: حاجة المجتمع المعاصر إلى إغاثة الملهوفين
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: دعوة الإسلام إلى الشهامة والرجولة والنخوة
عباد الله: إن الإسلام يحث أفراده على التحلي بمكارم الأخلاق والقيم النبيلة ومعالي الأمور ؛ ومن أهم هذه القيم والمبادئ الشهامة والرجولة.
والشَّهامة هي: الحِرص على الأمور العظام؛ توقعًا للذِّكر الجميل عند الحقِّ والخلق. وقيل هي: عزَّة النَّفس وحرصها على مباشرة أمور عظيمة، تَستتبع الذِّكر الجميل.
وبما أنَّ العرب في بداياتهم عاشوا في مجتمعاتٍ بدوية وصحاري؛ أي: إنَّهم عاشوا حياةً صعبة نِسبة إلى غيرهم من المجتمعات؛ فقد تربَّت لديهم بعض الصِّفات المميَّزة؛ كالكرم والشَّهامة، والنَّخوة والرجولة والشَّجاعة، وهذه الصِّفات ظهرَت نظرًا لصعوبة العيش؛ بحيث اكتشف الإنسان العربي أنَّ عليه أن يساعِد غيرَه ليحصل على المساعدة ويستمر في البقاء هو وغيرُه، وفيما بعدُ تمَّ توارث هذه الصِّفات حتى أصبحَت عاداتٍ متعارَفًا عليها ويشتهر بها العرب.
أيها المسلمون: إن أصحاب النجدة والمروءة والشهامة لا تسمح لهم نفوسهم بالتأخر أو التردد عند رؤية ذوي الحاجات؛ فيتطوعون بإنجاز وقضاء حوائجهم طلبًا للأجر والثواب من الله تعالى. وانظر إلى الشهم الكريم نبي الله موسى عليه السلام، حين فرَّ هاربًا من بطش فرعون، وقد أصابه الإعياء والتعب، فلما ورد ماء مدين ووجد الناس يسقون، وجد امرأتين قد تنحيتا جانبًا تنتظران أن يفرغ الرجال حتى تسقيا، فلما عرف حاجتهما لم ينتظر منهما طلبًا، بل تقدم بنفسه وسقى لهما: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.[القصص: 23، 24]. قال الحجازي: ” فثار موسى، وتحرَّكَت فيه عوامل الشَّهامة والرجولة، وسقى لهما، وأدلى بدلوه بين دلاء الرِّجال حتى شربَت ماشيتهما”.(التفسير الواضح). وهكذا أصحاب النجدة والمروة يندفعون دفعا نحو المكرمات ومنها إغاثة الملهوفين وذوي الحاجات.
ولقد ضرب لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أروع الأمثلة في الشهامة والشجاعة؛ كما شهد له بذلك صحابته الكرام؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ» وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا» قَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْرًا، أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ» قَالَ: وَكَانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ. (متفق عليه واللفظ لمسلم)
يقول الإمام النووي:” قوله : ” كان رسول صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أجود الناس ، وكان أشجع الناس إلخ “
فيه بيان ما أكرمه الله تعالى به من جميل الصفات ، وأن هذه صفات كمال . وقوله : ( يبطأ ) معناه يعرف بالبطء ، والعجز ، وسوء السير . قوله صلى الله عليه وسلم : ( لم تراعوا ) أي روعا مستقرا أو روعا يضركم . وفيه فوائد : منها بيان شجاعته صلى الله عليه وسلم من شدة عجلته في الخروج إلى العدو قبل الناس كلهم ، وبحيث كشف الحال ، ورجع قبل وصول الناس . وفيه بيان عظيم بركته ومعجزته في انقلاب الفرس سريعا بعد أن كان يبطأ ، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( وجدناه بحرا ) أي واسع الجري . ” (شرح النووى على مسلم) وقال القرطبي:” في هذا الحديث ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد جمع له من جودة ركوب الخيل، والشَّجَاعَة، والشهامة، والانتهاض الغائي في الحروب، والفروسية وأهوالها، ما لم يكن عند أحد من الناس، ولذلك قال أصحابه عنه: إنه كان أشجع الناس، وأجرأ الناس في حال الباس، ولذلك قالوا: إن الشجاع منهم كان الذي يلوذ بجنابه إذا التحمت الحروب، وناهيك به؛ فإنه ما ولَّى قطُّ منهزمًا، ولا تحدث أحد عنه قط بفرار”. [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم] .
وما أجمل شهامة ورجولة ونخوة عثمان بن طلحة في موقفه مع السيدة أم سلمة – رضي الله عنها – في حادث الهجرة؛ وأترك المجال للسيدة أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، تصور هذه الشهامة والرجولة فتقول”: لَمّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ ثُمّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي ، ثُمّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ فَلَمّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إلَيْهِ فَقَالُوا هَذِهِ نَفْسُك غَلَبْتنَا عَلَيْهَا ، أَرَأَيْت صَاحِبَتَك هَذِهِ ؟ عَلَامَ نَتْرُكُك تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ ؟ قَالَتْ فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذُونِي مِنْهُ . قَالَتْ وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ ، رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالُوا : لَا وَاَللّهِ لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا . قَالَتْ فَتَجَاذَبُوا بَنِي سَلَمَةَ بَيْنَهُمْ حَتّى خَلَعُوا يَدَهُ وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إلَى الْمَدِينَةِ . قَالَتْ فَفَرّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي . قَالَتْ فَكُنْت أَخْرُجُ كُلّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ فَمَا أَزَالُ أَبْكِي ، حَتّى أَمْسَى سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتّى مَرّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمّي ، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ فَرَأَى مَا بِي فَرَحِمَنِي فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ أَلَا تُخْرِجُونَ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ فَرّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا قَالَتْ فَقَالُوا لِي : الْحَقِي بِزَوْجِك إنْ شِئْت . قَالَتْ وَرَدّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إلَيّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي . قَالَتْ فَارْتَحَلْت بَعِيرِي ثُمّ أَخَذْت ابْنِي فَوَضَعْته فِي حِجْرِي ، ثُمّ خَرَجْت أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ . قَالَتْ وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللّهِ . قَالَتْ فَقُلْت : أَتَبَلّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتّى أَقْدَمَ عَلَيّ زَوْجِي ، حَتّى إذَا كُنْت بِالتّنْعِيمِ لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدّارِ فَقَالَ لِي : إلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ ؟ قَالَتْ فَقُلْت : أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ . قَالَ أَوَمَا مَعَك أَحَدٌ ؟ قَالَتْ فَقُلْت : لَا وَاَللّهِ إلّا اللّهُ وَبُنَيّ هَذَا . قَالَ وَاَللّهِ مَا لَك مِنْ مَتْرَكٍ فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ فَانْطَلَقَ مَعِي يَهْوِي بِي ، فَوَاَللّهِ مَا صَحِبْت رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ قَطّ ، أَرَى أَنّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ كَانَ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي ، ثُمّ اسْتَأْخَرَ عَنّي ، حَتّى إذَا نَزَلْت اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي ، فَحَطّ عَنْهُ ثُمّ قَيّدَهُ فِي الشّجَرَةِ ، ثُمّ تَنَحّى وَقَالَ ارْكَبِي . فَإِذَا رَكِبْت وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ فَقَادَهُ حَتّى يَنْزِلَ بِي . فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ ، فَلَمّا نَظَرَ إلَى قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ قَالَ زَوْجُك فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ – وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا – فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى مَكّةَ . قَالَ فَكَانَتْ تَقُولُ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ ، وَمَا رَأَيْت صَاحِبًا قَطّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَة”.(سيرة ابن هشام )
هذه شهامة ورجولة عثمان بن طلحة؛ ومع ذلك لم يكن مسلما حينئذٍ ؛ فهلا اعتبرنا بذلك وطبقناه في واقعنا المعاصر ؟!!
أيها المسلمون: علينا أن نربي أولادنا على الرجولة والشهامة والشجاعة – بدلا من أن نربيهم على الخوف والذعر والخنوع والسلاسل والحظَّاظات؛ وتشبه الرجال بالنساء في اللباس، كلبس الذهب والحرير؛ يقول ابن القيم: ” حرم الذهب لما يورثه بملامسته للبدن من الأنوثة والتخنث، وضد الشهامة والرجولة.”- فأولادنا جيل المستقبل وأمل الأمة؛ وليكن قدوتنا نبينا – صلى الله عليه وسلم – الذي ربى الصغير قبل الكبير على هذه القيم والمبادئ؛ وما أجمل هذا الموقف الشجاع الجرئ الشهم الذي قام به فتيان تربيا في مدرسة الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ” إِنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ الْتَفَتُّ , فَإِذَا عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ , فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا إِذْ قَالَ لِي أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ: يَا عَمِّ أَرِنِي أَبَا جَهْلٍ ، فَقُلْتُ : يَا ابْنَ أَخِي وَمَا تَصْنَعُ بِهِ ؟ قَالَ : عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ ، فَقَالَ لِي : الْآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ ، قَالَ : فَمَا سَرَّنِي أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا , فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ ” . (البخاري). قال ابن حجر: ” قوله الصقرين.. شبههما به لما اشتهر عنه من الشَّجَاعَة، والشهامة، والإقدام على الصيد، ولأنه إذا تشبث بشيء لم يفارقه حتى يأخذه”. ( فتح الباري)
هؤلاء قد تربوا على الشجاعة والشهامة والرجولة؛ أما نحن فقد ربينا أولادنا – صغارا وكبارا – على الفزع والخوف من القطط والكلاب والعفاريت؛ فهل تنهض الأمة وتقوم حضارة ويستتب أمن على أيدي هؤلاء ؟!!!
أحبتي في الله: ومن مظاهر الشهامة والرجولة والنخوة والمروءة في الإسلام الحياء والحفاظ على الأعراض؛ وما غيرة وشهامة سعد بن عبادة عنا ببعيد؛ فعَنْ الْمُغِيرَة قَالَ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ! وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ “. (متفق عليه)؛ وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ” لما نَزَلَتْ { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } قال سعدُ بنُ عُبادةَ وهو سيِّدُ الأنصارِ : أهكذا نَزَلَتْ يا رسولَ اللهِ؟! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : يا مَعشرَ الأنصارِ ألا تسمعونَ إلى ما يقولُ سيدُكُم!! قالوا : يا رسولَ اللهِ لا تلُمْهُ فإنه رجُلٌ غَيورٌ واللهِ ما تزَّوج امرأةً قطُّ إلا بِكرًا ؛ وما طلَّق امرأةً له قَطُّ فاجترأ رجُلٌ مِنَّا على أنْ يتزوجَها من شِدَّةِ غَيرَتِه. فقال سعدٌ : واللهِ يا رسولَ اللهِ إني لأعلمُ أنها حقٌّ وأنها من اللهِ تعالى ولكنِّي قد تعجبتُ أني لو وجَدتُ لَكَاعٍا تَفَخَّذَهَا رجُلٌ لم يكنْ لي أن أُهيجَه ولا أُحركه حتى آتيَ بأربعةِ شُهداءَ فواللهِ لا آتي بِهِمْ حتَّى يَقْضِيَ حاجتَه”. ( أحمد واللفظ له وأبو داود والحاكم وصححه).
إن سعداً يعلم تمام العلم أن هذا أمر الله وتشريعه؛ ومع ذلك دعته شدة رجولته وشهامته وغيرته أن يقول هذا الكلام !! لذلك شُرع اللعان حفاظاً على هذه النخوة والشهامة والرجولة؛ فالقذف يكون بين الناس عامة؛ أما بين الزوجين فشرع اللعان!! فأين نحن من هذه الشهامة والرجولة والنخوة والغيرة؛ انظروا إلى النساء والفتيات والبنات الكاسيات العاريات يمشين مع أزواجهن وآبائهن دون نخوة ولا حياء؛ ويفتخر بذلك أهلها وزوجها تحت ستار الرقي والتحضر والموضة ؟!!
العنصر الثاني: فضل إغاثة الملهوف وقضاء الحوائج
عباد الله: إن إغاثة الملهوف وإنعاش المكروب وإعانة أهل الحاجات سلوك إسلامي أصيل، وخلق نبوي قويم، تقتضيه الأخوة الصادقة، وتدفع إليه المروءة ومكارم الأخلاق.
وقد كانت حياة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – خير مثال يحتذى به في كل شيء، ولاسيما في إغاثة الملهوف وتقديم العون لكل من يحتاج إليه، حتى لقد عرف بذلك قبل البعثة وبعدها ؛ ونحن نعلم قول السيدة خديجة فيه لما نزل عليه الوحي وجاء يرجف فؤاده:” كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ؛ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ؛ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ؛ وَتَقْرِي الضَّيْفَ؛ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ”. ( متفق عليه )
ولقد تضافرت النصوص النبوية التي تحث على إغاثة الملهوفين ومساعدة المنكوبين وتضميد جراح المكلومين؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ. فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ. ». ( متفق عليه )؛ وعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ فقَالَ:” إِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَجْلِسُوا فَاهْدُوا السَّبِيلَ؛ وَرُدُّوا السلام؛ وأغيثوا الملهوف”. ( أحمد وابن حبان )؛ وعَنْ أَبي هُريرة رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ؛ تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ , وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ”.( متفق عليه) .
عباد الله: ما أجمل أن يسعى الإنسان في قضاء حوائج المسلمين وتفريج كروبهم وتقديم يد العون لهم؛ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ؛ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ؛ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.(متفق عليه) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”(مسلم). قال الإمام النووي: ” فيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة وغير ذلك، وفضل الستر على المسلمين، وفضل إنظار المعسر.” (شرح النووي على مسلم.)
ومن هذه الفضائل- أيضا- هذا الحديث العظيم الذي يرغب في قضاء الحاجة ومساعدة الآخرين وينشط المسلم لفعل الخير فعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا ، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا ، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ ، شَهْرًا ؛ وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ , وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ.” (رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني وغيرهما، وحسنه الألباني.)
إن للاعتكاف فضلاً عظيمًا وأجرًا كبيرًا، كيف لا وقد فرَّغ المسلم نفسه لربه، وقطع علائقه بالدنيا، لكنَّ الذي يقضي حوائج الناس أعظم من المعتكف أجرًا . ولأجل هذا المعنى لما أمر الحسن رضي الله عنه ثابتًا البناني بالمشي في حاجة قال ثابت: إني معتكف. فقال له: يا أعمش! أما تعلم أن مشيك في قضاء حاجة أخيك المسلم خير لك…”.
عباد الله: إن قضاء الحوائج وإغاثة الملهوف وصنع المعروف للآخرين سبيل إلى حسن الخاتمة؛ فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ”. ( الطبراني والهيثمي وقال: إسناده حسن). والمصرع: هو مكان الموت، فيقي الله من يحسن إلى الناس بقضاء حوائجهم من الموت في مكان سيء أو هيئة سيئة أو ميتة سيئة.
كل هذه النصوص وغيرها الكثير الهدف منها جعل المسلمين جميعاً ذكوراً وإناثاً يشعرون بروح الجماعة الواحدة المرتبطة ببعضها البعض مادياً ومعنوياً؛ فهم كالفرد الواحد وكالجسد الواحد؛ تسعد الأعضاء كلها بسعادته وتحزن لحزنه، فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”(مسلم)
أيها المسلمون: لقد كان الصالحون من هذه الأمة، إذا وجدوا فرصة لنفع الخلق، وإغاثة ملهوفهم، فرحوا لذلك فرحاً شديداً، وعدوا ذلك من أفضل أيامهم فلله درهم! كم شيدوا من المكارم؟! وكم بذلوا من معروف؟! فهذا سفيان الثوري -رحمه الله- ينشرح إذا رأى سائلاً على بابه ! ويقول: “مرحباً بمن جاء يغسل ذنوبي” . وكان الفضيل بن عياض – رحمه الله – يقول:” نعم السائلون، يحملون أزوادنا إلى الآخرة، بغير أجرة حتى يضعوها في الميزان ”
لذلك كثرت أقوال السلف حول الحث على فعل الخير وقضاء الحوائج وإغاثة الملهوف؛ وتقديم يد العون والمساعدة للآخرين؛ يقول الحسن البصري رحمه الله: ” لأن أقضي حاجة لأخ أحب إليَّ من أن أصلي ألف ركعة، ولأن أقضي حاجة لأخ أحب إليَّ من أن أعتكف شهرين”. وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهراً أو جمعة أو ما شاء الله أحب إليَّ من حجة، وَلَطَبَقٌ بدرهم أهديه إلى أخ لي في الله أحب إليَّ من دينار أنفقه في سبيل الله”.
فهلا اقتدينا بهؤلاء الغر الميامين في إغاثة الملهوفين وقضاء حوائج المحتاجين !!
اقض الحوائج ما استطعت …………………….. وكن لهمِّ أخيك فارج
فلخير أيــــــام الفـــــــــــــــــتى ………………………. يوم قضى فيه الحوائج
أحبتي في الله: كم حرمنا أنفسنا من أبواب الخير العظيمة يوم انكفأنا على ذواتنا، ولم نلتفت إلى المنكوبين والمحتاجين والمعسرين، أنك لا تكاد تجد حياً من أحيائنا يخلو من معسر بنار الديون يتلفع، أو مكروب بسيط المدلهمات يتوجع، أومن مصاب بلهيب الأسقام يتروع!! ومع هذا قليل هم أولئك الذين أسعدهم الله –تعالى- بقضاء حاجات العباد، وإغاثة ملهوفهم، والإحسان إلى ضعيفهم.
وأخيرًا فإن إغاثة الملهوف وإعانة المحتاج هي من قبيل شكر الله تعالى على نعمه، وبالشكر تدوم النعم، فمن كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، فإن قام بما يجب لله فيها عرضها للدوام والبقاء، وإن لم يقم فيها بما يجب الله عرضها للزوال، نعوذ بالله من زوال نعمه، وتحول عافيته . اللهم آمين؛؛؛
العنصر الثالث: حاجة المجتمع المعاصر إلى إغاثة الملهوفين
عباد الله: إن المجتمع في هذه الظروف الراهنة والأزمات الطاحنة والأسعار القاتلة يحتاج إلى رجالٍ ذوي شهامة وشجاعة وكرم وعطاء وسخاء؛ يحتاج إلى إحساس الغني بالفقير والقوي بالضعيف والشريف بالوضيع؛ يحتاج إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي كان يحمل أهلَه، وأولاده زمنَ الرمادة، على شِدَّة وشَظَف العيش؛ عمر الذي دخَل يومًا على ابنه عبدالله، فوجدَه يأكُل شرائحَ لحْم، فلامه، وقال له: ألا إنَّك ابنُ أمير المؤمنين، تأكُل لحْمًا، والناس في خَصاصة! ألاَ خُبزًا ومِلحًا، ألا خبزًا ومِلحًا.
ورأى يومًا بطيخةً في يدِ ولدٍ من أولاده، فصاح به: بخٍ بخٍ يا ابنَ أمير المؤمنين، تأكل الفاكهةَ وأمَّة محمَّد هَزْلَى!
كان -رضي الله عنه- يؤثِر بطعامه الآخرين على نفسه، أمَرَ يومًا بنَحْر جزور، وتوزيع لحمِه على أهل المدينة، وعندما جلَس عمرُ لغدائه، وجَدَ سنامَ الجذور وكبدَه على مائدته، وهما أطيبُ ما فيه، فسأل: مِن أين هذا؟ فقالوا: مِن الجزور الذي ذُبِح اليوم، فأزاحه بيده، وقال: بئس الوالي أنا، إن طعمتُ طيبَها، وتركتُ للناس كراديسَها؛ يعني: عظامها، ثم أمر بمأدبته المعهودة، خبز يابس وزَيْت، فجعل يكسِر الخبز ويثرده بالزَّيت، ولم يكملْ هذه الوجبة المتواضعة؛ لأنَّه تذكر أهل بيتٍ لم يأتِهم منذ ثلاثة أيام، فأمر خادمَه بحمْل الطعام إلى ذلك البيت.
وخطَب – رضي الله عنه – الناسَ عامَ الرمادة، فقَرْقَر بطنُه وأمعاؤه من الجوع، حتى سَمعتِ الرعية قرقرةَ بطنه، فطعَن بإصْبعه في بطْنه، وقال: قرقِرْ أو لا تقرقِر، والله لا تشبعْ حتى يشبعَ أطفالُ المسلمين.
هذا هو الفاروق، هذا هو ابن الخطَّاب، الذي حَكَم دِيارَ الإسلام من مشرِقها إلى مغربها، فليأتِ لنا التاريخ، ولتحضر لنا البشرية بمِثْل عمر، عَقمتِ النِّساء أن يلدنَ مثلك يا عمر!!
يَا مَنْ يَرَى عُمَرًا تَكْسُوهُ بُرْدَتُهُ ……………………..وَالزَّيْتُ أُدْمٌ لَهُ وَالْكُوخُ مَأْوَاهُ
يَهْتَزُّ كِسْرَى عَلَى كُرْسِيِّهِ فَرَقًا ……………………..مِنْ خَوْفِهِ وَمُلُوكُ الرُّومِ تَخْشَاهُ
روى ابنُ كثيرٍ في “تاريخه”: “أنَّ عمر – رضي الله عنه – عسَّ ذاتَ ليلة عام الرَّمادة، وقد بلَغ بالناسِ الجهْد كلَّ مبْلَغ، فلم يَسمع أحدًا يضحَك، ولم يسمع متحدِّثًا في منزله، ولم يرَ سائلاً، فتعجَّب وسأل، فقيل: يا أميرَ المؤمنين، قد سألوا فلم يجدوا، فقَطَعوا السؤال، فهم في هَمٍّ وضِيق، لا يتحدَّثون ولا يضحكون ؛ فما بات حتى أسعدهم بصناعة موائد الطعام لآلاف البشر في الغداء والعشاء . ذكر ابن سعد: أنَّ عمر – رضي الله عنه – سأل يومًا: أحْصُوا مَن تعشَّى عندنا، فأحصَوْهم فكانوا سبعةَ آلاف، وفي ليلةٍ أخرى عشرة آلاف. واستمرَّتِ القدور العُمرية الضَّخْمة تستعِرُ نارُها من بعد الفجْر إلى المساء، وكان عمر – رضي الله عنه – يُرسِل إلى الناس مؤنةَ شهر ممَّا يصله من الأمصار. فهل هذه المواقف تحرك القلوب القاسية والأفئدة المتحجرة ؟!!
قِفْ أَيُّهَا التَّارِيخُ سَجِّلْ صَفْحَةً ………………….. غَرَّاءَ تَنْطِقُ بِالخُلُودِ الكَامِلِ
حَرِّكْ بِسِيرَتِهِ الْقُلُوبَ فَقَدْ قَسَتْ ……………….. وَعَدَتْ بِقَسْوَتِهَا كَصُمِّ جَنَادِلِ
أخي المسلم: كيف تجد قلبك إذا سألك سائل.. أو قرع بابك ملهوف؟!
هل فكرت يومًأ وأنت تتناول غداءك.. أو تشرب ماء باردًا.. أو تتقلب في وثير فراشك..؟!!
هل فكرت – أصلحك الله – في جوعى لا يجدون غذاءً مثل غذائك؟! أو ظمأى لا يجدون ماء باردًا مثل مائك؟! أو مشردين لا يجدون فراشًا وثيرًا مثل فراشك؟!
فكم من عبد بسط الله له في رزقه.. ولكن المسكين نسي جوع الجائعين.. وآلام المشردين.. وجزع الثكالى المحرومين.. وأنين الضعفاء المضرورين.. وبكاء اليتامى الخائفين..
فحري بأمثال هؤلاء أن يتفقدهم الناس ويكفونهم ذاك السؤال، وما أحسن ما قاله معمر – رحمه الله – : ” من أقبح المعروف أن تحوج السائل إلى أن يسأل وهو خجل منك، فلا يجئ معروفك قدر ما قاسى من الحياء، وكان الأولى أن تتفقد حال أخيك وترسل إليه ما يحتاج، ولا تحوجه إلى السؤال”.
أحبتى في الله: إن الذي يطلب العون قد يكون مظلومًا أو عاجزًا أو مكروبًا، وفي كل الأحوال فإن إعانته وقضاء حاجته فيها تفريج لكربته، وفي مقابل ذلك تكفل الله لمن فرج كربة الملهوف أن يفرج عنه كربة من كربات يوم القيامة!!
فأين أنت أخي المسلم أختي المسلمة غدًا من ذلك الثواب العظيم؟!
فهل يعجزك يا طالب الحسنات؛ أن تعين محتاجًا.. أو تغيث ملهوفًا؟!
هل يعجزك أن تمسح دمعة محزون بلقمة أو ثوب تقدمهما له؟!
أما سمعت بقصة ذلك الرجل؛ الذي كان يخفف ويتجاوز عمن اقترض منه؟!
أتدري كيف كانت نهاية قصته؟! فلتسمع القصة من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم!
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” كَانَ الرَّجُلُ يُدَايِنُ النَّاسَ؛ فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا. قَالَ: فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ”. [ البخاري ومسلم] وفي رواية للبخاري: « فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ !».
فتأمل – هداني الله وإياك – كيف نال هذا الرجل؛ ذاك الثواب العظيم، مع قلة عمله!
أيها المسلمون: علينا أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله حالنا !! { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (الرعد: 11).
نغير ما بي أنفسنا من الشح والبخل إلى البذل والإنفاق والسخاء؛ نغير ما بي أنفسنا من الغش والاحتكار وأكل أموال الباطل إلى الصدق والأمانة في البيع والشراء.
نغير ما بي أنفسنا من الجبن والخور والهوان إلى الشجاعة والقوة والشهامة.
نغير ما بي أنفسنا من حب الذات إلى حب الآخرين.
نغير ما بي أنفسنا من الانغلاق على أنفسنا إلى الوقوف جانب الملهوفين والمنكوبين والمعوزين والمحتاجين……..إلخ
أحبتى في الله: هذه رسالة أوجهها لي أولاً ثم لكم ثانياً ؛ وأسأل الله أن يجعل ما قلناه وما سمعناه حجة لنا لا علينا يوم القيامة إنه خير مسئول، وأقرب مجيب؛؛؛
الدعاء؛؛؛؛؛؛؛ وأقم الصلاة؛؛؛؛
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
جزاكم الله خيرا